
افتتاحية أنفيت – 27 مايو 2025
الصراع الوشيك: إريتريا، إثيوبيا، والتحالفات المتغيرة
يقف القرن الإفريقي مجددًا على شفا حرب، حيث تجد كل من إريتريا وإثيوبيا نفسيهما في لعبة شطرنج جيوسياسية خطيرة. هذه الأزمة المتصاعدة لم تعد مجرد صراع بين دولتين، بل أصبحت صراعًا تحركه تحالفات متضاربة قد تعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية لعقود قادمة.
وفي حين يُشعل إسياس أفورقي نار عدم الاستقرار لتحقيق طموحاته الكبرى، فإن آبي أحمد هو من يقرع طبول الحرب بصوت أعلى، عبر خطابات تصعيدية ومناورات استراتيجية. تشير الاصطفافات الحالية إلى وجود جبهتين متقابلتين:
– الجبهة الأولى: إريتريا، تيغراي، فصائل من الأمهرة، مصر، الفريق عبد الفتاح البرهان في السودان، والمملكة العربية السعودية.
– الجبهة الثانية: حزب الازدهار بقيادة آبي أحمد، الإدارة الأورومية، قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، إيران، والإمارات العربية المتحدة—وذلك بهدف معلن يتمثل في تأمين منفذ مستقل لإثيوبيا على البحر الأحمر بالقوة.
حسابات تيغراي الاستراتيجية
قبل أربع سنوات، قاد إسياس حملة عسكرية ضد تيغراي، حشد خلالها القوات الإثيوبية وحلفاء أجانب لمحاربة الإقليم. أما اليوم، فقد تغير ميزان القوى—وبات قادة تيغراي يقفون على ما يبدو إلى جانب إريتريا في حملة حاسمة محتملة ضد آبي أحمد.
بعد اتفاق بريتوريا للسلام، لم تحصل تيغراي إلا على وقف هش لإطلاق النار. فلا يزال النازحون داخليًا بلا مأوى، ولا تزال أراضيهم تحت سيطرة الأمهرة، كما تستمر شرعيتهم السياسية في التآكل. أمام هذه الحقائق القاسية، لا خيار أمامهم سوى التوجه شمالًا نحو إريتريا
بحثًا عن الأمان والبقاء.
إذا ما توحدت القوات الإريترية والتيغرانية، فقد تعيدان تحقيق نصر مشابه لانتصارهما عام 1991، ما قد يدفع القوات الإثيوبية للانسحاب إلى أديس أبابا. في هذا السيناريو، من المرجّح أن يتدخل المجتمع الدولي، ضاغطًا على آبي أحمد للتفاوض بشأن حكومة ائتلافية. وهذا من شأنه أن يمنح تيغراي الفرصة لاستعادة أراضيها وربما تأكيد حقها في تقرير المصير.
لكن لا ينبغي التقليل من طموحات إسياس أفورقي الاستراتيجية بعيدة المدى. فحتى في حال تشكيل حكومة ائتلافية، قد يسعى للمناورة من أجل إبقاء تيغراي تحت نفوذه، مُعززًا بذلك سلطته على كل من إريتريا وإثيوبيا
العلاقة المزعومة بين قادة جبهة تحرير شعب تيغراي وإريتريا
تنبع الشائعات الرسمية وغير الرسمية المحيطة باتفاق محتمل بين إريتريا وتيجراي من الصراع الداخلي المستمر في إثيوبيا من جهة، وتصرفات أسياس أفورقي من جهة أخرى. قد يرى البعض في تيغراي خيارًا استراتيجيًا للخروج من مأزقهم الحالي. إلا أن مثل هذا الاتفاق يحمل مخاطر كبيرة على كلا الجانبين.
لقد تبلورت وحدة الإريتريين – سواء في المنخفضات أو المرتفعات، مسلمين أو مسيحيين – عبر سنوات من النضال المشترك، ولا يسهل المساس بها. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف لدى بعض المجتمعات بشأن تداعيات اتفاق تيغراي وإريتريا. وهناك تخوف من أن يؤدي هذا الترتيب إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة، والتي تفاقمت بالفعل بسبب سياسات النظام.\
تمثل هذه القضية تحديًا إضافيًا للحركات السياسية الإريترية التي تدعو إلى الوحدة والعدالة والسلام. في غضون ذلك، أعرب العديد من أبناء تيغراي عن مخاوفهم من أن ارتباط تيغراي بدولة ذات سيادة أخرى، رغم بقائها جزءًا من إثيوبيا، قد يُوتر العلاقات الدبلوماسية بطرق قد لا يتسامح معها النظام الحاكم.
في نهاية المطاف، فإن أفضل مسار للعمل هو اتباع مسار يضمن التعايش السلمي، مسار يحترم السيادة ويعزز الاستقرار للجميع.
العامل السوداني: طموح إقليمي جديد؟
إلى جانب إثيوبيا، يزداد ارتباط مصير السودان بهذه الحرب. فإذا خرج إسياس منتصرًا، قد تمتد طموحاته إلى ما وراء الحدود الإثيوبية. فقد درّبت إريتريا بالفعل جيشًا قبليًا من بني عامر، جاهزًا لاحتلال شرق السودان—وهو إقليم لطالما طمحت إليه فصائل توسعية إريترية. وفي ظل الفوضى الداخلية، قد يرضى الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان بالتنازل عن شرق السودان مقابل دعم عسكري من إريتريا لتأمين الخرطوم ودارفور.
وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فسوف يتوسع النفوذ الإريتري بشكل كبير، ما سيغيّر سيادة السودان ويعزز هيمنة إريتريا على منطقة القرن الإفريقي.
المعارضة الإريترية: مفترق طرق حاسم
على مدار ثلاثة عقود، لعبت أحزاب المعارضة والمنظمات المدنية الإريترية دورًا محوريًا في الدعوة إلى التغيير الديمقراطي، وسيادة القانون، والعدالة، والحكم الدستوري. لكن فعاليتها تعرضت لشلل كبير بسبب ضعف القيادة، والانقسامات الداخلية، واختراقات موّلتها الحكومة الإريترية.
فشلت محاولات عديدة لتشكيل منصة سياسية موحدة، حيث فضّل القادة تعزيز منظماتهم الخاصة بدلًا من تقوية العمل الجماعي. وعلى الرغم من إعداد مواثيق متطابقة وتعديلها مرارًا، لم تظهر شجاعة جماعية لتوحيد الصفوف. وبدلًا من ذلك، استمع القادة إلى دعوات القواعد لتقوية منظماتهم أولًا، على أمل البروز بقوة في مؤتمر عام مستقبلي. وقد أضعفت هذه الاستراتيجية القصيرة النظر المعارضة، بل وأثرت سلبًا على الحركات المدنية.
ورغم هذه التحديات، تمكنت ثلاث تحالفات معارضة—المجلس الوطني الإريتري للتغيير الديمقراطي (ENCDC)، القوى السياسية الإريترية (EPF)، وتحالف التغيير الديمقراطي الإريتري (ECDC)—من بناء هيكل دبلوماسي وإنجاز مهمتين إلى ثلاث مهام أساسية. وتُعد هذه المجموعات الأقرب لتشكيل معارضة قادرة على التأثير في مجريات الأحداث قبل الحرب أو بعدها.
نافذة الفرصة: التوحد أو الزوال
الفرصة الوحيدة أمام المعارضة الآن هي اغتنام هذا الظرف الحاسم. عليها أن تتوحد دون شروط مسبقة، وتنفذ مواثيقها، وتتوجه إلى الشعب الإريتري بتعهد بإنهاء الصراعات الداخلية. لا بد من إعادة تفعيل دورها السياسي، والتحوّل من حالة الجمود إلى الفعل الحاسم.
إذا ما اندمجت المنظمات الثمانية والثلاثون المجزأة في ثلاث تكتلات رئيسية، يمكنها أن تشكل برلمانًا منظمًا في المنفى—جسمًا قادرًا على رسم ملامح مستقبل إريتريا بدلًا من مشاهدتها تنهار بصمت وأيادٍ مكتوفة.
لم يعد بمقدور الشعب الإريتري تحمّل المزيد من التأخير. الآن هو وقت العمل. يجب على المعارضة أن تتجاوز الانقسامات وتلتزم بجبهة موحدة. فالخيار واضح: أن تكون أو لا تكون.
الطريق إلى الأمام: الحرب أم الدبلوماسية؟
السبيل الأفضل لكل من إريتريا، إثيوبيا، تيغراي، والسودان هو تفادي الحرب والسعي إلى حلول سلمية لأزماتهم. فالتسوية الدبلوماسية التي تُعالج قضايا الديمقراطية والعدالة والإصلاحات الدستورية ضمن السيادة الوطنية لكل بلد، تبقى الخيار الوحيد القابل للاستمرار من أجل استقرار طويل الأمد.
لكن إن أصبحت الحرب أمرًا لا مفر منه، فإن المنطقة ستواجه ثلاثين عامًا أخرى من الدمار. والواقع بعد الحرب سيكون غير متوقع، تشكّله المطالبات الإقليمية المتغيرة والتحالفات الهشة. أما أولئك الإريتريون الذين يؤيدون الحرب على أساس أن إزالة آبي أحمد أسهل من إزالة إسياس، فهم يرتكبون خطأً فادحًا. فبدون اتفاق ملزم يضمن سيادة إريتريا، قد لا يتخلى آبي أبدًا عن طموحاته في السيطرة على أراضٍ إريترية—وخاصة ميناء عصب.
الخاتمة: مفترق طرق مصيري
إن القرن الإفريقي يقف عند نقطة تحول مفصلية. والقرارات التي ستُتخذ في الأشهر القادمة هي التي ستُحدد ما إذا كانت المنطقة ستغرق في حرب طويلة الأمد، أو ستنجح في تجنب دمار كارثي. التحولات الجيوسياسية لن تنتظر التردد. ومن يتجاهل التحذيرات اليوم، سيضطر إلى مواجهة تبعات الحرب غدًا—شاء أم أبى.