بقلم: هيئة التحرير الانتقالية – ANFET
28 أكتوبر 2025
كيف تُعيد الجبهات القديمة والاتهامات الجديدة تشكيل توازن القرن الأفريقي الهش.
يتقاطع جنرالات إثيوبيا، وقوات الدعم السريع السودانية، والتحالفات الخليجية عند الدور المثير للجدل الذي تلعبه أسمرا.
إنها قصة انتقام تاريخي، وصراعات إقليمية، وتشكّل أزمة جديدة في القرن الأفريقي.
مقدمة
يهتزّ القرن الأفريقي مجددًا تحت وطأة حروب لم تُستكمل ونزاعات جديدة في طور التشكّل.
إريتريا، الدولة التي وُلدت من رحم التحدي والاستقلال، تجد نفسها اليوم في قلب عواصف متداخلة:
جنرالات إثيوبيون يسعون للثأر، وقوات الدعم السريع السودانية تتهم أسمرا بالتدخل، وقوى خليجية ترسم ملامح ساحة المعركة من بعيد.
ما بدأ في بادمي عام 1998 امتد اليوم إلى الخرطوم في 2023، واضعًا إريتريا على مفترق الطموح والاتهام والبقاء.
جراح قديمة وجبهات جديدة
بالنسبة للنخبة العسكرية الإثيوبية، لم تلتئم بعدُ ندوب الحرب الإثيوبية-الإريترية.
فالجنرالات مثل برهانو جولا وباشا دابيلي، اللذين كانا يومًا أسرى حرب، ما زالا يحملان في ذاكرتيهما مرارة الهزيمة – بالقوة وبالاستفتاء.
تشير التقارير إلى أن الجنرال باشا دابيلي حاول أن يؤدي دورًا حاسمًا في حرب بادمي عام 1998، إلا أن رئيس الأركان آنذاك الجنرال تسادكان وجّهه إلى الجنوب نحو هرر.
هذه الإحباطات بقيت تغلي لعقود، ثم طفت إلى السطح بعد حرب تيغراي، حين بدأ القادة الإثيوبيون يتصورون حملة جديدة ضد إريتريا.
اليوم، يخرج هؤلاء الجنرالات إلى العلن للدعوة إلى الحرب، مستنفرين ضباطًا سابقين من عهد الدرج بل وحتى من عهد هيلا سيلاسي، بمن فيهم قادة البحرية، لإضفاء رمزية تاريخية على خطابهم.
رسالتهم واضحة: إريتريا ما زالت “ملفًا غير منتهٍ”.
اتهامات حميدتي والجبهة السودانية
اتسعت رقعة الحرب الأهلية السودانية لتكشف هشاشة الموقف الإريتري.
فقد اتهم محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، إريتريا بدعم الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني.
وبحسب مجلة Analytica Today، رفع حميدتي صوته “بحدة”، رابطًا بين إريتريا والدعم الإماراتي والاصطفاف الإثيوبي في الصراع.
هذا الخطاب يصوّر إريتريا ليس كجارٍ محايد، بل كفاعلٍ سلبي في حرب السودان، ما يُدخل أسمرا في نزاع يصعب عليها التحكم في مساره.
وباستخدام اسم إريتريا في تصريحاته، يُضفي حميدتي طابعًا دوليًا على صراعه، مُقدّمًا معركته ضد البرهان كجزء من مؤامرة إقليمية أوسع.
الرابط الخليجي
تُشكّل الإمارات العربية المتحدة عنصرًا محوريًا في هذه المعادلة، إذ ترتبط بعلاقات مع كلٍّ من إثيوبيا وفصائل السودان المتحاربة.
وتصبح إريتريا – بساحلها على البحر الأحمر – جائزة استراتيجية: قاعدة للنفوذ، ولوجستيات، وإسقاط القوة.
بالنسبة لأسمرا، يعني هذا الوقوع بين مطرقة الطموح الإثيوبي وسندان الاتهامات السودانية والطموحات الخليجية.
وحدة الشتات مقابل انقسام الحكومة
ورغم الضغوط الخارجية، تواجه إريتريا تناقضًا داخليًا حادًا.
فالمجتمعات الإريترية في المهجر، والأحزاب السياسية، والمنظمات المدنية – رغم انتقادها الطويل للحكم الاستبدادي – بدأت تتحرك دفاعًا عن سيادة إريتريا ووحدة أراضيها وشرعيتها الدولية كعضو في الأمم المتحدة.
لكن بدلًا من احتضان هذه الوحدة واستثمارها، اختارت الحكومة إرسال أفراد يسيئون إلى المعارضين والزعماء والإعلاميين واليوتيوبرز، في تصرفٍ يُظهر ضعفًا في الرؤية مقارنة بحكمة وانضباط المعارضة.
إنّ فشل الحكومة في تعبئة كل الإريتريين، بمن فيهم منتقدوها، يُضعف التماسك الوطني في لحظة تتطلب أقصى درجات الوحدة.
والمفارقة واضحة: المعارضة، رغم نقدها للنظام، تقف مع الشعب ضد الحرب وضد إنكار حق إريتريا في تقرير مصيرها، بينما تهدر الحكومة فرصة تحويل تضامن الشتات إلى قوة وطنية.
إريتريا عند مفترق خطر
تُنتج هذه التفاعلات المتداخلة بيئة شديدة الاشتعال:
جنرالات إثيوبيا يسعون للانتقام من هزائم الماضي.
قوات الدعم السريع تُحمّل إريتريا مسؤولية تغيّر موازين الخرطوم.
الفاعلون الخليجيون يرون في إريتريا ورقة في إستراتيجيتهم للبحر الأحمر.
مجتمعات الشتات تتحرك دفاعًا عن السيادة، فيما تُقوّض الحكومة جهودهم.
تواجه إريتريا خطر أن تُوصَف في الوقت ذاته بأنها عدو إثيوبيا التاريخي، ومُفسِد في حرب السودان، وبيت منقسم داخليًا.
لقد تحوّل استقلالها، الذي كان يومًا رمزًا للصمود، إلى نقطة جذبٍ لصراعات إقليمية متقاطعة.
الخاتمة
من بادمي إلى الخرطوم، لم تعد قصة إريتريا مجرد حكاية بقاء، بل حكاية كيف تُعاد صياغة الحروب القديمة كحملات جديدة، وكيف تُستغل المظالم التاريخية في صراعات الحاضر، وكيف تتحول الدول الصغيرة إلى مفاتيح في لعبة تنافس كبرى.
لكنها أيضًا قصة صراع داخلي بين وعي الشعب وجمود السلطة.
فبينما تتحرك الجاليات والمنظمات المدنية دفاعًا عن السيادة، يبقى السؤال:
هل ستدرك الحكومة أن هذه الوحدة رصيد وطني يجب استثماره؟ أم ستواصل إهداره بالانقسام والإنكار؟
إنّ توازن القرن الأفريقي الهشّ يتحرك من جديد —
وإريتريا، طوعًا أو كرهًا، تقف في مركزه.
المراجع
مصدر من يوتيوب: “حملة الجنرالات الإثيوبيين ضد إريتريا”
Analytica Today: “طائرات حميدتي المسيّرة تستهدف مصر وإريتريا” (2023)






